مع انطلاق الرئاسيات.. 6 شواغل حقوقية في انتظار انفراجة لتعويض ثلاثية أزمات عجاف بتونس

مع انطلاق الرئاسيات.. 6 شواغل حقوقية في انتظار انفراجة لتعويض ثلاثية أزمات عجاف بتونس

وسط ترقب بحدوث انفراجة عقب ثلاثية أزمات عجاف في تونس، تجرى الانتخابات الرئاسية بتوقعات شبه محسومة لصالح الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد، لا سيما عقب استبعاد مرشحين يمتلكون فرصا وشعبية من ماراثون الرئاسيات.

ويتنافس الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد، في الانتخابات الرئاسية مع رئيس حركة الشعب، الممثلة في البرلمان زهير المغزاوي، ورئيس حركة عازمون العياشي زمال، الموقوف في السجن منذ أكثر من شهر في قضايا انتخابية تتعلق بافتعال تزكيات من الناخبين.

ومنذ 25 يوليو 2021، تشهد تونس أزمة سياسية خانقة بعد إعلان الرئيس التونسي إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، وسط تراجع في الحريات العامة وتدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية وتهاوي المنظومة الصحية بالبلاد.

قضايا حقوقية

وتشغل 6 قضايا حقوقية الرأي العام التونسي، وهي حرية التعبير والصحافة، وحقوق المهاجرين واللاجئين، والعدالة الاجتماعية، والتحول الديمقراطي، واستقلال القضاء، وحرية تنظيم الجمعيات الأهلية، لا سيما مع ارتفاع معدلات حبس الصحفيين والمعارضين بتدابير استثنائية امتدت على مدى أكثر من 3 سنوات.

وبحسب تقديرات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (رسمية) يبلغ عدد الناخبين المسجلين في تونس 9 ملايين و753 ألفا و217، فيما تجري عملية التصويت في نحو 5 آلاف مركز اقتراع بالبلاد، فيما انطلقت الانتخابات الرئاسية بالخارج الجمعة الماضي، في 59 دولة مع توجه 642 ألف ناخب بالخارج لنحو 400 مكتب اقتراع.

وخلال الـ3 سنوات الماضية، شهدت تونس تراجعا لافتا في مستوى الحريات العامة، لا سيما الصحافة والإعلام، حيث كان الرئيس المنتهية ولايته دائم الاتهام لمعارضيه بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء الأزمات في البلاد"، ما أثار انتقادات محلية ودولية بشأن ما وصفوه بـ"تخوين المعارضة".

وانتقل النظام السياسي بتونس من البرلماني إلى الرئاسي على يد قيس سعيد (66 عاما) الساعي إلى ولاية ثانية، فيما واجهت الانتخابات الرئاسية الحالية انتقادات دولية بـ"التقويض" نظرا لتعديل قانون الانتخابات قبل إجرائها بأيام، بهدف استبعاد بعض المرشحين المعارضين واتخاذ إجراءات تعسفية بحق المنافسين السياسيين.

وينافس سعيد في الرئاسيات الحالية المرشح المستقل العياشي ومال (47 عاما) المحبوس بتهمة تزوير توقيعات الناخبين، والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي (60 عاما)، فيما ستعلن الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، عن النتائج الأولية للتصويت يوم الأربعاء 9 أكتوبر الجاري. 

وبالتزامن مع انطلاق الانتخابات الرئاسية بالخارج، نظمت قوى معارضة، مظاهرات احتجاجية بالعاصمة تونس، لرفض الانتخابات والدعوة إلى المقاطعة، إذ رفع المشاركون لافتات مدون عليها عبارات "انتخابات مهزلة" و"لا رئاسة مدى الحياة".

ودعت العديد من الأحزاب السياسية إلى مقاطعة الانتخابات، أبرزها "التيار الديمقراطي" و"الدستوري الحر"، و"الحزب الجمهوري"، و"العمال" و"التكتل" و"الاشتراكي" و"القطب".

فيما دعا حزبا "آفاق تونس" و"حركة حق" التونسيان، إلى المشاركة في الانتخابات رغم ما وصفاه بـ"خروقات طالت المسار الانتخابي"، كما أعلنت حركة النهضة "عدم وجود أي مناخ ديمقراطي ملائم للانتخابات".

الحق في التعبير

تعد حرية التعبير والصحافة، أولى الحقوق التي تضررت خلال السنوات الماضية، إذ قال رئيس منظمة العفو الدولية في تونس ماهر عمراني، إن وضعية الحريات في البلاد شهد تدهورا كبيرا منذ تولي الرئيس قيس سعيد السلطة.

وأوضح عمراني في تصريحات صحفية سابقة، أن حرية التعبير والصحافة تراجعت بشكل كبير في البلاد منذ إصدار مرسوم 54 في عام 2022، إذ تمت متابعة حوالي 70 شخصا وهناك 40 شخصا حتى الآن وراء القضبان.

وفي سبتمبر 2022، وقع الرئيس التونسي مرسوما بقانون يقضي بمكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت، وسط انتقادات محلية ودولية واسعة.

وينص المرسوم على "عقوبة السجن 5 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف دينار (حوالي 16 ألف دولار)، لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني".

حقوق المهاجرين واللاجئين

وعادة ما تواجه تونس اتهامات بانتهاك حقوق المهاجرين واللاجئين، لا سيما من أصحاب البشرة السوداء، نظرا لاعتراض السلطات الزوارق التي تقل هؤلاء في البحر والتقاعس عن إنقاذهم في العديد من الأحيان، إلى جانب استخدام العنف الجسدي، وإطلاق الغاز المسيل للدموع عن قرب، والاصطدام بالزوارق، ما يعرض أرواح المهاجرين للخطر.

ورغم أن تونس تعد حليفا موثوقا فيه بالنسبة للبلدان الأوروبية في الحد من الهجرة غير القانونية، فإن منظمات حقوقية دولية تقول إن تونس ليست "مكانًا آمنًا" لتوطين المهاجرين واللاجئين بسبب تعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء إنزالهم أو احتجازهم أو طردهم جماعيا من البلاد.

العدالة الاجتماعية

وفي أغسطس الماضي، أعلن المعهد الوطني للإحصاء في تونس، ارتفاع نسبة الفقر من 23.2 بالمئة عام 2023 إلى 33.6 بالمئة عام 2024.

فيما أظهرت بيانات المعهد الوطني ارتفاع معدل البطالة في تونس إلى 16.4 بالمئة خلال الربع الأخير من 2023 مقارنة مع 15.2 بالمئة قبل عام.

وقال معهد الإحصاء إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى 667 ألفا و500 شخص بين أكتوبر وديسمبر 2023، مقارنة مع 638 ألفا و100 شخص في الربع السابق.

وتعد البطالة والفقر أحد أهم التحديات التي تواجهها الحكومات التونسية المتتابعة بعدما استفحلت الظاهرة الاجتماعية باعتبارها نتيجة طبيعية لتعطل محركات الاقتصاد الأساسية وهي الصناعة والزراعة، بالتزامن مع الخمول الاقتصادي.

وزاد الجفاف حدة الأزمة، إذ تراجعت المساحات المزروعة والأيدي العاملة المطلوبة، وأدت الصعوبات التي تواجهها المؤسسات الصناعية وعدم قدرتها على الوصول إلى التمويل اللازم إلى غلق أبواب آلاف منها أو التخلي عن جزء كبير من العمالة.

التحول الديمقراطي

وتتعرض تجربة التحول الديمقراطي في تونس للتعثر والاضطراب، لا سيما في ظل غياب المؤسسات الدستورية، عقب فرض الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021 والتي اعتبرها البعض "انقلابا"، جراء حل البرلمان وإقالة الحكومة، وفرض حالة الطوارئ في البلاد.

وعادة ما تتهم المنظمات الحقوقية الدولية، الرئيس التونسي قيس سعيد بشنّ هجوم متصاعد على حقوق الإنسان، منذ استيلائه على السلطة، لا سيما في ما يتعلق بتقويض حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.

وتقول المنظمات إن السلطات التونسية تواصل القمع عبر سجن عشرات المعارضين السياسيين ومنتقدي النظام، في انتهاك لاستقلالية القضاء وإلغاء ضمانات مؤسساتية في مجال حقوق الإنسان، إذ يواجه غالبية الموقوفين تهمة "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" وقد وصفهم الرئيس التونسي بأنهم "إرهابيون". 

استقلال القضاء

وفي عام 2022 عزل الرئيس قيس سعيد العديد من القضاة بإجراءات موجزة، إذ تصاعدت موجة المضايقات والملاحقات القضائية والحرمان من الحقوق ضد القضاة.

وتقول منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) إنه يتعين على السلطات التونسية وضع حد للتآكل المستمر لاستقلال القضاء في البلاد، وذلك بعد مرور عامين على منح الرئيس قيس سعيّد نفسه صلاحيات عزل القضاة بصورة انفرادية.

وأصدر الرئيس سعيّد مرسوم عدد 35 لسنة 2022، الذي سمح له بإقالة أي قاضٍ بناءً على مفاهيم غامضة ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. وفي اليوم نفسه، أعلن عزل 57 قاضيًا ووكيلًا للنيابة، مُتهِمًا القُضاة بعرقلة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، والفساد المالي، والفساد الأخلاقي، بمن فيهم كبار القضاة ووكلاء النيابة.

الحق في التنظيم

وحرية التنظيم حق دستوري لكل التونسيين، ولكن السلطة أحكمت ضبط الإطار القانوني بما يناسب هيمنة الحزب الحاكم، ويمنع وجود الأحزاب الجماهيرية والجادة مثل حركة النهضة وحزب العمال وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إضافة إلى حرمان العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة من الاعتراف القانوني، مثل المجلس الوطني للحريات ومنظمة حرية وإنصاف والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، وجمعية الصحفيين.

ترقب وحذر 

بدوره، قال الخبير الحقوقي التونسي ورئيس جمعية العدالة ورد الاعتبار، كريم عبدالسلام، إن الانتخابات الرئاسية ستعقد وسط تهديدات للحقوق الفردية والجماعية، واتهامات بتطويع السلطة القضائية والمساس باستقلاليتها . 

وأوضح عبد السلام في تصريحه لـ"جسور بوست": "إذا كان هناك عقلاء في النظام التونسي يجب أن تكون أول خطوة بعد الانتخابات هو إغلاق ملف الشواغل الحقوقية وفتح صفحة جديدة وتفعيل ثقة بين السلطة والمعارضين وتفعيل التواصل مع المنظمات الأهلية".

وأضاف: "كما يجب إطلاق سراح جميع سجناء الرأي والتعبير وحرية التفكير، وإلغاء مرسوم 54 الذي أصدره قيس سعيد في عام 2022، والذي يتضمن عقوبات قاسية في قضايا النشر والتعبير قد تصل إلى خمس سنوات سجنا".

ومن جانبه أكد السياسي التونسي والمرشح الرئاسي المستبعد عماد الدايمي، أن بلاده تعاني تدهورا في حرية التعبير والصحافة وحقوق اللاجئين والمهاجرين والحق في حياة كريمة والتحول الديمقراطي واستقلالية القضاء وحرية العمل الحقوقي.

وقال الدايمي في تصريحه لـ"جسور بوست" إن تونس في أشد الاحتياج لإعادة الأمور إلى نصابها وتحسين مناخات حرية التعبير والصحافة والعمل الحقوقي، وهذه المعطيات لن تتحقق في ظل القيود التي فرضها نظام الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد.

وتابع: "المرحلة الحالية تحتاج إلى تضافر جهود القوى الحقوقية والسياسية لإنقاذ الديمقراطية والحريات والتي تمت الإطاحة بها في 25 يوليو 2021، ما ستفرزه الأوضاع في الانتخابات سيكون نقطة انطلاق لحراك سياسي مدني حقوقي من أجل استعادة الحقوق والحريات واستعادة مكاسب الثورة".

وأوضح الدايمي أنه "لن يكون الاقتراع الفصل النهائي ولدينا ثقة في التونسيين وإرادتهم ووعيهم وتمسكهم بالحقوق والحريات".

وفي أواخر أغسطس الماضي، قررت المحكمة الإدارية التونسية عودة المرشح الرئاسي المستبعد عماد الدايمي بقرار من هيئة الانتخابات، لكن الهيئة لم تدرج اسمه وانطلق السباق دون تمكينه من حق الترشح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية